كرمه دكي قيل 🇸🇩
كرمه دكي قيل عاصمه مملكة كوش والمدينة المقدسة للفراعنة السود
يشكل موقعي كرمه ودكي قيل مجموعة اثريه واسعه تغطي أكثر من ٢٢ هكتار وتقع على بعد ١٢ كيلو مترا أعلى الشلال الثالث لنهر النيل في الولاية الشمالية بجمهوريه السودان الحالية. تبعد المدينتان حوالي كيلو متر واحد عن بعضهما البعض، وهما مرتبطتان بشكل وثيق تاريخيا وجغرافيا حيث تحتلا موقعا استراتيجيا على طول الوادي عند ملتقى طرق تجاريه هامه تربط ين مناطق افريقيا جنوب الصحراء والبحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط. وتظهر الاثار المكتشفة في الموقعين حتى الان وجود استيطان مستمر لمدة تقارب الثلاث الاف عام بين فترة كرمه القديمة (٢٥٠٠-٢٠٥٠ قبل الميلاد) والعصر المروي (٢٩٠ قبل الميلاد ـ ٣٥٠ بعد الميلاد).
تم تكوين البعثة المشتركة السويسرية – الفرنسيةـ السودانية في كرمه دكي قيل عام ٢٠١٣ بناء على طلب من الهيئة العامة للآثار والمتاحف (NCAM) وكانت الوحدة وريثة للأعمال الرائدة التي تمت تحت رعاية جامعه جنيف, بدءا من موقع تبو تحت اشراف شارل ما يستر منذ العام ١٩٦٥, ثم يليها بعشره سنوات في كرمه بقيادة شارل بونيه .
يدير البعثة حاليا سيفرين مارشي (Séverine Marchi) وكزافييه درو (Xavier Droux) وعبد الحي عبد الساوي (Abd el-Hay el-Sawy).
إن الفريق متعدد التخصصات الذي تم جمعه لهذا المشروع هو ثمره للتعاون الدولي حيث شمل كل من علماء الاثار والمؤرخين والمختصين في دراسة النقوش و المعماريين والباحثين المتخصصين في علم المعادن الاثري، وعلم النباتات القديمة والجيومرفولوجية وعلم القياسات الأثرية الفيزيائية والكيميائية.
كرمه المدينة القديمة
تم تنفيذ اولى الاعمال الأثرية في موقع المدينة القديمة في عام ١٩١٣ من قبل عالم الاثار الأمريكي جورج ا. رايزنر ( George A. Reisner) وقد ركز بشكل رئيسي على النصب الضخم المشيد من الطوب الآجر والموجود في وسط الموقع, والذي كان يعرف لدى السكان السودانيين باسم ( الدفوفة ) في ذلك الوقت . وقد فسر بان هذا المبنى والمباني الملحقة به تمثل مقرا لمستودع مصري يعود الى الأسرة الثانية عشرة. استؤنفت الحفريات في الموقع تحت اشراف شارل بونيه (Charles Bonnet) الاستاذ في جامعه جنيف في العام ١٩٧٥. وقد اظهرت هذه الحملات ان الدفوفه كانت في الواقع المركز الديني لعاصمه مملكة كوش المستقلة التي امتدت في اوجها بين الشلال الاول والشلال الخامس.

سمحت الحفريات الواسعة ودراسات الطوبوغرافيا الحضرية التي اجريت على كامل المنطقة برسم مخطط يعد من بين الاكثر شمولا في وادي النيل، تم انشاء المستوطنة في الطرف الشمالي من لسان ارضي تحيط به قنوات جافه ومردومة حاليا، ولكنها قد تمتلئ بالماء خلال فترات اخرى من السنة.
كانت هذه القنوات ونظام التحصينات المعقدة التي تحيط بالمدينة توفر حماية فعاله للمنشاة الواقعة في بيئة مسطحه نسبيا. وقد اثبتت ايضا طرق التنقل المتعددة وخاصه المحور الشمالي – الجنوبي الذي يعطي لللمدينة نسيجها الحضري. كما تم العثور على احياء سكنية ومساكن ملكية ومبان ادارية وقاعة حكم كبيرة دائريه الشكل ومصليات دينية صغيره.
تم الكشف عن ورش للإنتاج الحرفي في عدة نقاط من الموقع، لا سيما حول اماكن العبادة على غرار الفرن الكبير الذي اتخذ شكل الصليب والذي تم اكتشافه عند سفح (الدفوفة ) وقد كان مخصصا لإنتاج صفائح البرونز وقد شهدت هذه الأنظمة على المهارات الخاصة للحرفيين النوبيين في مجال المعادن وانتاج الخزف والسيراميك.
موقع دوكي قيل
تقع دوكي قيل في شمال كرمه حيث تم استهدافها بالكثير من الابحاث المنتظمة منذ العام ١٩٩٢. في البداية ركزت هذه الابحاث على الطبقات المروية من خلال التنقيب عن مقر اقامه كبير الحجم ومعبد ومن ثم شملت الكشف عن مجموعه من المعابد المصرية من عصر الدولة الحديثة واخيرا تم الكشف عن اثار تعود الى عمارة مميزة مؤرخة لعصور كرمة.
سمحت المسوحات الجيوفيزيائية والتنقيبات التجريبية التي أجريت في السنوات الأخيرة بتسليط الضوء على إمتدادات الموقع نحو الشمال ووجود طبقات أثرية تزيد في سمكها عن مترين. وأظهرت الطبقات المكتشفة في إحدى هذه التنقيبات بقايا لمساكن مؤقتة مصنوعة من مواد بسيطة قابله للتلف (اكواخ) تتناوب مع بقايا لأبراج ضخمة مدمرة وحصون وجدران حيث تظهر هذه الأخيرة ان المدينة كانت محمية بنظام تحصينات قوي منذ فتره مملكة كرمه الوسطى وطوال تاريخها.
أما مدينة كرمه الكلاسيكية فتتميز بنواة حضرية يتم تزويدها بالمياه بواسطة بئرين كبيرين ومحاطة بجدران دفاعية تحتوي على عدة مداخل تحيط بها أبراج دائرية الشكل، و في الجزء الغربي من هذه النواة الحضرية تم بناء مبنى واسع رباعي، فسر كمعلم ذو طابع إحتفالي وعسكري. كما تم بناء العديد من المباني الكبيرة البيضاوية أو الدائرية الشكل خارج هذا السور والتي كانت بدورها محمية بتحصينات هي الاخرى.

سيتم لاحقا تدمير هذ المجمع بالكامل عند غزو النوبة العليا من قبل جيوش تحتمس الاول التي ستدمر العاصمة وتخضع ايضا المستوطنات الريفية المحيطة داخل مملكة كرمه. يقوم تحتمس الاول بأنشاء(مينينو) في دكي قيل وهي مؤسسه ملكيه محصنه في الاراضي الأجنبية المحتلة , تهدف إلى تأكيد السيطرة المصرية على المنطقة وكذلك لتخزين وحماية الجزية المخصصة للخدمات المركزية . وتم بناء عدة معابد وقصور ونظام دفاعي ضخم على أنقاض اثار الفترة السابقة.
أثبتت الابحاث الأثرية ان المنشئة المصرية في دكي قيل تم إعادة بنائها وتعديلها بإستمرار حتى العصر المروي عكس ما حدث بمنشئات مملكة كرمه التي أهملت وتحولت إلى مقابر.
واحدة من الإكتشافات البارزة في دكي قيل هي مجموعه لسبع تماثيل ضخمه مكسورة ومدفونة في حفرة في المجمع الديني للفترة الكوشية, وتعود فترتها للقرنين السابع والسادس قبل الميلاد, وتمثل خمسه ملوك من نهاية الأسرة الخامسة والعشرين لعصر مملكة نبته وهم : طهارقه – تانوت آمون (تمثالان ) وأنلماني – سينكامنسكن (تمثالان ) وأسبلتا.
تهدف الأعمال التي أجريت مؤخرا في دكي قيل إلى الإستمرار في كشف المناطق غير المعروفة في الموقع، وذلك لإستكمال معرفتنا بالطبوغرافيا الحضرية لهذه المدينة ذات الطابع الإحتفالي الطقسي. وستساعد الدراسات المعمارية وتحليل المواد في فهم أفضل للطابع المعماري لأنواع مختلفة من المنشئات المبنية بالطوب اللبن في كرمه ودكي قيل، مع محاولة تحديد عناصرها الإنشائية الأصلية.
تشير البقايا المكتشفة في الموقعين عن تعدد العوامل المؤثرة ومحاولات تكيف مستمرة يبدو من المهم للتعرف عليها بشكل أفضل دمج البيانات الناتجة عن الدراسات التي أجراها المختصون في مختلف المجالات المشاركة في المشروع.
ومن ضمن تلك النتائج برامج للدراسات المتعلقة بإستخدام التربة، والخشب والنباتات في العمارة ( مشروع الوكالة الوطنية للأبحاث ANR – أرض النيل Nile’S Earth ) الذي يكرس لدراسة سلسله عمليات تصنيع البرونز والفخار وتخزين المواد الغذائية والذي ما زال قيد التنفيذ وسيستمر للسنوات القادمة.
ومن ضمن الأهداف الأخرى هو الحفاظ على هذه المواقع وتعزيزها من خلال الأنشطة السنوية لحماية البقايا الأثرية وتطوير البرتوكولات المتعلقة بالحفاظ عليها بما يتناسب مع بيئتها.
وفي هذا الإطار تم إفتتاح مركز معلومات في دكي قيل في العام ٢٠٢٢ يعرض مجموعه من المخططات والصور ثلاثية الأبعاد وصورا جوية للبقايا الأثرية وفقا لفتراتها الزمنية. يستهدف هذا المركز السكان المحليين والزوار الأجانب كما يثري ويعزز مراحل الزيارة التي يقدمها متحف كرمه لزواره.

للمزيد من المعلومات
تحظى البعثة بدعم من الهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية (NCAM)
والهيئة الإستشارية للأبحاث الأثرية بالخارج التابعة لوزارة أروبا والشؤون الخارجية الفرنسية وأمانه الدولة لشئون التأهيل والتدريب والبحث والإبتكار (SEFRI) وذلك عبر مؤسسة كرمه للأبحاث (CH) و المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) وجامعة السوربون الوحدة المختلطة للأبحاث للشرق ومنطقه البحر الأبيض المتوسط (UMR 8167-Orient et Méditerranée) , وفريق عوالم الفراعنة (Mondes pharaoniques) وعبر الوكالة الوطنية للأبحاث ومشروعها ارض النيل (projet ANR-21-CE27-0019-01 : Nile’s Earth) .

حصلت البعثة في العام ٢٠٢٢ على تصنيف ( علم الآثار ) ٢٠٢٢-٢٠٢٣ من الأكاديمية الفرنسية للنقوش والآداب.
المراجع
Ouvrages de synthèse
- Ch. Bonnet, D. Valbelle et S. Marchi, « Le jujubier », ville sacrée des pharaons noirs, Paris, Khéops, 2021.
- Ch. Bonnet, The Black Kingdom of the Nile, Cambridge (Ma), London, Harvard University Press, 2019.
- Ch. Bonnet et D. Valbelle, Les temples égyptiens de Panébès « le jujubier » à Doukki Gel, Soudan, Éditions Khéops, Paris, 2018.
- Ch. Bonnet, La ville de Kerma. Une capitale nubienne au sud de l’Egypte, Lausanne, 2014.
Articles choisis
- Ch. Bonnet, “The cities of Kerma and Pnubs-Dokki Gel”, dans G. Emberling et Br. Williams (éd.), The Oxford Handbook of Ancient Nubia, Oxford, 2021, p. 201- 212.
- Ch. Bonnet, « Une mission archéologique au Soudan durant 50 années », dans S. Vuilleumier et P. Meyrat (éd.), Sur les pistes du désert, Mélanges offerts à Michel Valloggia, 2019, p. 11‑17.
- Ch. Bonnet, « Doukki Gel, une ville africaine aux frontières de l’Égypte », CRAIB, nov.‑déc. 2017, Paris, p. 1347-1366.
- Ch. Bonnet, S. Marchi et D. Valbelle, « Les sites de Kerma et de Doukki Gel » dans Cinquantenaire de la SFDAS, Soleb-Bleu Autour, 2020, p. 71-95.
- Ch. Bonnet et S. Marchi, “The Egyptian occupation and the indigenous city of Dokki Gel in the early 18th Dynasty”, Sudan and Nubia 23, 2019, p. 135-143.
- S. Marchi, « Découvertes récentes sur le site de Doukki Gel : les fortifications de la période Kerma », dans M. Maillot (éd.), Actualité de la recherche archéologique française au Soudan, Les routes de l’Orient ancien. Hors-Série 3, 2018, p. 31-45.
- S. Marchi, « Entre arrière-pays et capitale, l’approvisionnement et le stockage des céréales dans le royaume de Kerma (Soudan) », dans A. Bats (éd.), Les céréales dans le monde antique, Nehet 5, 2018, p. 197-216.
- S. Marchi, « Le royaume de Kerma à la fin du Moyen Empire », dans G. Andreu-Lanoë et Fl. Morfoisse (éd.), Sésostris III et la fin du Moyen Empire, CRIPEL 31, 2017, p. 85-102.
- P. Meyrat, « Un corpus d’empreintes de sceaux de Doukki Gel », BIFAO 123, 2023, p. 335-380 [https://www.ifao.egnet.net/bifao/123/12/]
- D. Valbelle, « Sièges nominatifs et chapelles ‘de confréries’ », BIFAO 120, Le Caire, 2020, p. 449-478.
- D. Valbelle, « Inbt, snbt et mnnw : des dispositifs défensifs particuliers aux frontières de l’Égypte », dans Sandrine Vuilleumier et Pierre Meyrat (éd), Sur les pistes du désert, Mélanges offerts à Michel Valloggia, Gollion, 2019, p. 243‑253.
- Fr. W. Rademakers, G. Verly, P. Degryse, Fr. Vanhaecke, S. Marchi, Ch. Bonnet, « Copper at ancient Kerma: a diachronic investigation of alloys and raw materials », Advances in Archaeomaterials 1, 2021.
OpenEdition vous propose de citer ce billet de la manière suivante :
sfdas (24 mars 2025). كرمه دكي قيل 🇸🇩. SFDAS Khartoum. Consulté le 21 mai 2025 à l’adresse https://sfdas.hypotheses.org/7340