بعثة حفريات جامعه ليل الثالثة – شارل ديغول في الزنكور وأبو سفيان (2002-2005) 🇸🇩
تم النشر بواسطة الوحدة الفرنسية SFDAS في 23.09.2011
تحت إشراف بريجيت غراسيان (Brigitte Gratien)
يقع موقع الزنكور في جنوب وادي الملك، على طول درب الأربعين الشهير الذي يعبر دارفور وكردفان. كان الموقع معروفًا منذ فترة طويلة بمجموعة من الأعمدة الأحادية التي تقف وسط السافنا القاحلة.
وتم إستكشاف الموقع لأول مرة من خلال مسوحات بريطانية أثناء فترة الحكم الثنائي إلا أنه لم يُجرَ عليه تنقيب أثري حقيقي إلا في عام 2002 بواسطة البعثة الأثرية لقسم الأربعة، التابعة لجامعة ليل الثالثة، بقيادة بريجيت غراسيان

أعتبر التنقيب في الزنكور مشروعًا شجاعًا ورائدًا، حيث واجه فريق الآثاريين تحديات وظروف عمل قاسية للغاية، وكانت الحال كذلك حتى بالنسبة للخبراء المعتادين على العمل في المواقع الصعبة. و من الناحية العلمية، تبدو المهمة صعبة أيضًا؛ فقد ركزت البعثات الأثرية تاريخيًا على وادي النيل، مما أدى إلى نقص في المقارنات والدراسات التي يمكن أن تساعد في تحديد الثقافات التي يمثلها موقع الزنكور، والذي لم يترك سكانه الأوائل أي آثار مكتوبه.
ورغم أن الصلة بين حضارات وادي النيل والعمق الأفريقي كانت موضوع مئات الأبحاث، التي تتفاوت في جودتها، فإن بعثة قسم الأربعة هي الوحيدة التي إتخذت المبادرة للبحث عن الشواهد الأثرية لهذه الصلات.

بتوسيع نطاق المسح على محيط يبلغ حوالي عشرين كيلومترًا حول الموقع، تبين أن الإستيطان في هذه المنطقة قديم جدًا ويعود إلى العصر الحجري القديم الأوسط. وأن هناك تزايد لعدد السكان والمواقع مع مرور الزمن، وتمركزت التجمعات السكنية بشكل خاص في المناطق المحمية من الرياح، حول الجبال التي تتناثر في السهل. أما المقابر، فقد وُضعت في مناطق مفتوحة في السهل.
لم تُحدد هذه الثقافات بعد ولم تُؤرخ بدقة، وذلك بسبب نقص العناصر لإجراء المقارنات، لكن الأبحاث مستمرة في هذا الإتجاه.
ومع ذلك تعرفت البعثة على عدة مستويات من الإستيطان. يعود الأول إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، ويتميز بمساكن بسيطة، وأدوات حجرية، وقطع من الفخار المصقول الجميل والمزخرف بنقوش محفورة.
المستوى الثاني متمثلا بشكل ملحوظ وخاصة في الزنكور و يعود تاريخه إلى ما يقارب العام صفر ، وهو معاصر لثقافة مروي، إلا أنه لم يتم العثور حتى الآن على أي بقايا مروية.
وتشكلت جدران سميكة معززة بأبراج مراقبة كجدار واسع يحيط بمنطقة تبلغ مساحتها 1.3 × 1.8 كيلومتر على قمة جبل الزنكور. وفي الأسفل، كانت هناك منطقة سكنية أقل كثافة سكانية مشمولة أيضاً ضمن السور. وكان هناك نظام لجمع مياه الأمطار وخزانان مهيآن في إرتفاع معين لتزويد المدينة بالمياه. ولكن للأسف، تعرض الموقع للتدمير شبه الكامل، حيث أعيد استخدام قطع الطوب الكبير في إنشاءات حديثة، لكن من الواضح أن هذه المنازل القديمة كانت تحتوي على عدة غرف، مجمعة أو متصلة ببعضها. وتشير الدوائر المكونة من أعمدة حجرية مصقولة إلى وجود أماكن للعبادة.

تعتبر صناعة الفخار في الزنكور فريدة من نوعها، فهي مصنوعة بشكل خشن، وغالبًا ما تُشكل فوق هياكل من السلال، وتغطى بطبقة من الطين الأحمر وأحيانًا تزين بزخارف هندسية.
وعلى ما يبدو أن إستيطان المنطقة كان قصير المدى، مما يوحي بأن الزنكور كانت مقرًا لإمارة صغيرة مستقلة، دون إرتباط بالحضارات الكبرى التي سادت في وادي النيل في نفس الفترة.
أما بخصوص المستوطنات اللاحقة، فلا تزال آثارها غير واضحة، وتعتبر مدينة فوجا حاليًا الموقع الحضري الوحيد المعروف في المنطقة.
ولوحظ أن المنطقة شهدت عصرًا ذهبيًا جديدًا في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، لكن لم يُثبت وجود صلة واضحة مع الممالك المسيحية المعاصرة في وادي النيل.
تم اكتشاف العديد من المقابر في السهول المحيطة، وتعود لفترات زمنية مختلفة، وتتكون بشكل رئيسي من قبور مغطاة بأكوام صغيرة من الحجارة. تتميز بعض القبور بوجود تل مركزي مرتفع محاط بأحجار قائمة تشكل شكلًا رباعيًا. يعد أحد أبرز الأمثلة على هذه المقابر موجودًا بالقرب من مدينة الزنكور، وتم تأريخه بالكربون المشع (14C) إلى أواخر القرن الثالث عشر أو أوائل القرن الرابع عشر.
ويُحتمل أن المنطقة فقدت أهميتها لاحقًا، ربما بسبب نقص موارد المياه، مما أدى إلى إنتقال مراكز النفوذ نحو الجنوب الغربي.

في عام 2005، بدأت عملية إستكشاف موقع أبو سفيان، الذي يقع على بعد 250 كيلومترًا شمال الزنكور . ومنذ إكتشافه عام 1923 وإجراء أول عملية تنقيب فيه عام 1935، لم يتم سوى ذكر تل كبير وبعض النقوش الصخرية، دون أي صلة واضحة مع ثقافات وادي النيل، ولا حتى مع الزنكور. بدأت عملية الإستكشاف ضمن محيط يبلغ 20 × 20 كيلومترًا، ويعود أقدم موقع تم العثور عليه إلى العصر الحجري القديم الأوسط.
من أبرز الإكتشافات مقبرة صغيرة من العصر الحجري الحديث تضم نحو عشرة أكوام جنائزية، يسبقها ممر مزدوج من الأحجار القائمة. ويُحتمل أن يكون هناك مزار يحتوي على نصب حجرية قريبًا من هذا الموقع.
في فترات لاحقة، كانت المستوطنات أقل عددًا وأكثر تركيزًا من تلك المكتشفة في الزنكور، إلا أن المقابر كانت متعددة وموزعة. في أبو سفيان نفسها، توجد منطقة سكنية مدفونة بالكامل في الرمال، يمكن تمييزها من خلال أسوارها ومقبرتها. يبلغ قطر أكبر القبور هناك 50 مترًا وارتفاعه أكثر من 3 أمتار، تعلوه تلة من الطوب.
تبدو الفخاريات المحلية معاصرة للفترة المروية ولموقع الزنكور، رغم أنها تظهر بعض التشابه مع فخار كرمة، الذي يعود إلى فترة أقدم بكثير.
كما يوجد في المنطقة مدينة محاطة بأحجار تطل على منطقة مأهولة، على غرار مدينه الزنكور ، لكنها تتبع تصميمًا مختلفًا بعض الشيء عن تقسيم المدينة العليا/المدينة السفلى.كما يجب الإشارة إلى خاصية فريدة في أبو سفيان، وهي وجود رسوم صخرية من فترات زمنية مختلفة تمثل الحياة البرية وشخصيات بشرية بسيطة، والرسوم الأحدث منها تظهر ابلا مع راكبيها.
تشير هذه الأدلة إلى أن المنطقة الجنوبية من النيل، بالقرب من درب الأربعين، كانت مأهولة بشكل شبه مستمر منذ عصور ما قبل التاريخ، لكنها بقيت بعيدة عن حضارات وادي النيل. قد يكون من الواجب النظر في سلسلة من الممالك المستقلة التي إزدهرت على طول هذه الطرق التجارية، قبل توسع سلطنة دارفور نحو كردفان وحملات الفونج في وسط السودان.
OpenEdition vous propose de citer ce billet de la manière suivante :
sfdas (24 mars 2025). بعثة حفريات جامعه ليل الثالثة – شارل ديغول في الزنكور وأبو سفيان (2002-2005) 🇸🇩. SFDAS Khartoum. Consulté le 21 mai 2025 à l’adresse https://sfdas.hypotheses.org/8055